تكملة للموضوع السابق
(4) عمودا الإضاءة
مكانهما على جانبي فتحة المسرح، وهما برجان من الخشب أو الحديد بارتفاع القوس المسرحي مثبت بهما سلم رأسي للصعود إلى الشرفات الموجودة بهما والتي توضع عليها الكشافات المختلفة الخاصة بالعرض.
(5) مكان العازفين
في مسارح الأوبرا، التي تخرج تمثيليات غنائية تتبعها الموسيقى، بئر للأوركسترا ومكانه بين خشبة المسرح والصالة، وبطول القوس المسرحي وينخفض عن منسوب الصالة نحو متر، وذلك حتى لا يسبب عازفو الأوركسترا مضايقات لجمهور النظارة عند مشاهدة العرض.
أما رئيس الأوركسترا فتوضع له قاعدة مرتفعة قليلاً حتى يتمكن من مشاهدة المطربين والراقصين على خشبة المسرح، إذ تقع عليه مسؤولية إدارة الموسيقى والرقص والغناء.
إن أهم مبادئ بناء الديكور هو تجهيز عناصر سهلة النقل وذات متانة كافية، على أن يكون وزنها وحجمها منخفضا لأدنى حد ممكن، وذلك لمنع ازدحام خشبة المسرح ولتسهيل عملية النقل والتغيير، إذ إن من أهم المشكلات التي تواجه القائمين على المسرح الإعداد والتكوين والتركيب لعناصر ديكور صممت لأجل مسرحية معينة، وجعلها مهيأة للعرض في دقائق معدودة، ثم إزالتها بسرعة لوضع ديكور آخر مكانها. وأحياناً يتطلب العمل تقديم قطع ديكورية أثناء التمثيل وتحت أنظار الجمهور حسب المشهد.
3. الملابس المسرحية والماكياج
إن العلاقة بين الثياب والشخصية أعمق مما يتصورها الشخص العادي. ما أندر المرأة التي لا تسترد انتعاش روحها بجرعة سحر مقوية من ثوب جديد. وما أندر الرجل الذي لا يستشعر الأناقة ورشاقة الحركة والخفة في حلة جديدة. النسيج الجديد للمباريات القادمة والثياب الجديدة لحفلة الربيع الراقصة، كل منهما يسبب أو يعكس تغيرات في الشخصية. قد لا تصنع الملابس الإنسان أو الممثل، ولكنها بغير شك تؤثر في كل منهما، وتساعده في التعبير عن ذاتيته.
الملابس والماكياج، بما فيها الأقنعة، من أقدم العناصر الأساسية في فن الدراما. بل إنها تكاد تؤلف العرض بأسره عندما نرجع إلى المراسم والمحافل البدائية التي تمثل نواة الدراما. وعلي الرغم من أن الإغريق كانوا يهملون المناظر إلى حد كبير، فمن المؤكد أنهم لم يكونوا يهملون الملابس أو الأقنعة. وقد كان الانتقال من سيطرة الأقنعة إلى سيطرة الماكياج في عصر النهضة.
في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي أخذت فكرة الملابس التاريخية تعم إنجلترا، كما سبق أن عمت فرنسا قبل ذلك بعدة أجيال. ومع ذلك لم تكن الملابس المسرحية خلال القرن التاسع عشر الميلادي تتعدى بضعة أساليب قياسية تقليدية تكاد تخلو من الخيال. كانت ذخيرة معظم محلات الملابس التجارية تتألف من ملابس ثلاث أو أربع حقب تاريخية، بالإضافة إلى مجموعة أو مجموعتين من الثياب المحلية. وكان النظام المتبع عادة أن يكون الممثل مسؤولاً عن ملابسه الشخصية.
والملابس المسرحية يمكن أن تأتي جريئة، صارخة الألوان، لافتة للنظر. ومن الممكن أن تنبئ عن نزعة مسرحية، أو مخيلة درامية، أو انسيابية مبسطة لا تتقبلها الثياب العادية. ويحتاج مصمم الملابس، بالإضافة إلى حاسة الذوق، إلى معرفة الأساليب التاريخية، والقدرة على إبراز معالم الشخصية.
لا تستطيع القواعد والوصفات أن تحل محل الذوق والحكمة عند وضع الملابس التي تعكس ملامح الشخصيات. وقد تجدي المعرفة بالمعاني الرمزية للألوان، ولكن ما أكثر الأخطاء الفادحة التي يرتكبها المصممون عندما يتبعون حرفياً تلك التقاليد المفرطة التبسيط التي تخصص اللون البنفسجي للملوك، والأزرق الفاتح للطهارة، والأحمر للفتوة، وينبغي لمصمم الملابس، مثله في ذلك مثل مصمم المناظر، ألا ينسى أن اللون مسألة نسبية، وأن للملابس الأخرى، والمناظر، والإضاءة، والملحقات تأثيراتها الخاصة.
يجد معظم الممثلين في رائحة الماكياج المسرحي سحراً، لا يرجع إلى ما فيه من عطر بقدر ما يرجع إلى ارتباطه بالتوهج المثير للحظات التي تسبق العرض مباشرة. والقيمة النفسية للمكياج أعمق من جو النشاط الذي تستثيره قبيل رفع الستار، إن كثير من الممثلين خاصة عندما يقومون بأداء أدوار مغايرة لطبيعة شخصياتهم، يجدون في الماكياج مادة محضرة تستنهض فيهم مزيداً من الثقة.
4. التمثيل المسرحي
إذا كان الإلقاء "فن النطق بالكلام"، فإن الإلقاء المسرحي هو فن النطق بالحوار. والمسرح أكثر فنون الكلام حاجة إلى إخضاع فنون الكلام بالتغيير أو الإضافة. والحوار هو المسرحية، التي تقوم برمتها على الحوار، ومهما امتلأت بالأفعال صغيرها وكبيرها من المصافحة وهز الرأس إلى حتى القتل فإن الحوار هو الذي يصوغها. ويقوم الممثل المحترف بقراءة الدور وفهمه ليتسنى له أداؤه على المسرح بالشكل الذي يريده كاتب المسرحية.
لم يكن "بيس" هو الممثل الوحيد لدى اليونان الذي يصلنا اسمه، فهنالك كثيرون من بينهم أسخيلوس وسوفوكليس اللذان كانا يقومان بالتمثيل فيما يكتبان من مسرحيات، كما كانت حال ُسبيس ولا ريب أن هؤلاء الممثلين بنعالهم العالية، "الكوثورنوس"، وأقنعتهم المرتفعة، "الأونكوس"، قد اهتدوا إلى ضرورة الصوت الجهوري، والإلقاء المفخم، والحركة الأسلوبية للتلاؤم مع المسارح الضخمة المكشوفة التي كانوا يعملون فيها.
ومع ذلك فإن الفكرة الشائعة بأن التمثيل الكلاسيكي كان عرفياً وافتعالياً إلى درجة كبيرة تجانب الصواب، ذلك أن ُسبيس كان أول من استخدم اثنين من الممثلين على المسرح في وقت واحد، وسوفوكليس كان أول من استخدم ثلاثة ممثلين. وبينما كان ممثلو اليونان يتمتعون في العادة بمركز اجتماعي رفيع نسبياً، كان ممثلو روما بلا استثناء من الأغراب والعبيد.
وكان "ريتشارد بيرباج 1567 - 1619 Richard Burbage" م، أول ممثل يؤدي أدواراً معروفة على المسرح مثل هاملت ولير وعطيل. وقد ظهرت النساء لأول مرة على المسرح الإنجليزي في عصر عودة الملكية، وبرزت إلى الصفوف الأولى أسماء مثل: آن بريسجردل Anne Bracegirdle، وإليزابيث باري Elizabeth Barry، ونيل جوين Nell Gwyn، وأخذن يكتسبن أهمية متزايدة مع أعلام الممثلين.
ويعدّ ديفيد جاريك David Garrick 1717-1779م، أهم ممثلي إنجلترا في القرن الثامن عشر الميلادي ، وكان تناوله يتميز بالجدة والأصالة والطبيعية حتى قيل فيه "إذا كان هذا الفتي على صواب، فمعني هذا أننا كنا جميعاً على خطأ". أما (السير هنري إرفنج Henry Irving) ، فقد كان يتميز فوق كل شيء بالوقار والثبات، وكان متفوقاً إلى جانب التمثيل في الإدارة.
في فرنسا تميز القرن التاسع عشر الميلادي بظهور (سارة برنار Sarah Bernhardt 1844-1923) التي تعد واحدة من أقوى الشخصيات التي عرفها العالم في التمثيل المسرحي، إذ إن أهواءها المتقلبة، وإشعاعتها المثيرة داخل المسرح وخارجه، جعلت منها شخصية عديدة الألوان تلاحقها طبول الدعاية. وفي إيطاليا جاء توماسو سالفيني 1829 - 1916م يجمع بين التناول الصادق، وقوة الإلهام، وقد بلغ من الشهرة حداً بعيداً لا يجعل ناقداً حين يتحدث عن التمثيل المسرحي أن يتجاهله.
في أمريكا استطاع ثلاثة ممثلين في القرن التاسع عشر الميلادي أن يحرزوا شهرة عالمية وهم : إدوين فورست Edwin Forrest 1806-1872م، وإدوين بوث Edwin Thomas Booth 1833-1893م، وجوزيف جيفرسون Joseph Jefferson 1829-1905م، .
أعلى الصفحة
5. الموسيقي المسرحية
غالباً ما يعدّ الصوت والموسيقي جزئين متممين للعمل المسرحي الناجح، والمؤثرات الصوتية والموسيقي التصويرية قديمان قدم المسرح، فمن عصر الطبول البدائية التي كانت تصاحب الطقوس الدينية إلى الصوت والموسيقي المصاحبة.
وبمراجعة كشف تكاليف مسرحية "العاطفة" التي مثلت بمدينة مونز عام 1501م، نجده يتضمن لوحتين من البرواز ووعاءين كبيرين من النحاس استعملت لأحداث الرعد. وفي نص المسرحية مذكرة لطيفة للإخراج تقول: "ذكروا هؤلاء الذين يتولون الأسرار الآلية لبراميل الرعد بأداء ما يوكل إليهم وذلك باتباع التعليمات، ولا تدعهم ينسون أن يتوقفوا عندما يقول الإله: كفوا ودعوا السكينة تسود".
هذا يدل على أن الموسيقي المسرحية تزامنت بداياتها مع بدايات المسرح نفسه، فالإنسان عرف فن الموسيقى منذ قديم الزمان، وكان من البديهي أن يستخدمه عاملاً مساعداً في الفن المسرحي.
وكل من قرأ شكسبير لا بد أن يدرك أهمية الصوت والموسيقي في المسرح الإليزابيثي، ولوحظ مما دوّن من مذكرات عن الصوت أنها تكّون نسبة كبيرة من التوجيهات المسرحية، بينما نجد مثلا "موسيقى جدية عميقة من البراجيل"، "موسيقى ناعمة"، "موسيقى جدية وغريبة"، "أبواق من الداخل"، "نداءات السلاح"، "طبول وأبواق"، "عاصفة ورعد"، وهكذا.
وقد بلغ استعمال الموسيقي والمؤثرات حد الدقة في حالة الميلودراما وكما يفرض الاسم على هذا النوع من المسرحيات أن يعتمد اعتماداً كبيراً على الموسيقي بعنصر مهيأ للجو خاصة في مشاهد الحب واستدرار الشفقة أو الصراع العنيف لمواقف الشر.
والواقع أنه لم يحدث أي تغير جوهري بالنسبة للمؤثرات الصوتية والموسيقي التصويرية منذ عهد شكسبير حتى القرن العشرين الميلادي.
وتبدو الاتجاهات في هذا الموضوع في حالة مربكة، فبعض المسارح يحاول تجنب الإستعانة بالموسيقي من أي نوع، والبعض يستعين بها عندما يقتضي النص وجودها، وآخرون يستخدمونها أكثر من ذي قبل.
ويقول بعض المتابعين للحركة المسرحية "إن الموسيقي الجيدة والمناسبة في العرض المسرحي لا تساعد فقط المشاهدين، ولكنها تساعد كذلك الممثل، وردهم على من يزعم أنها تحطم نقاء الدراما، أن المسرح الحقيقي كان مزيجاً من فنون عدة وحرف ولا يزال، وأن تأثيره يجب الحكم عليه من تكامل هذه الفنون والحرف بشكل موحد وفعال، وليس بالحكم على عنصر واحد فقط.
6. الإضاءة المسرحية
في عام 1815م اخترع العالم البريطاني همفري ديفي Humphry Davy المصباح الكربوني، ولم يستخدم هذا المصدر الضوئي القوي في المسرح إلا بعد نصف قرن تقريباً من اكتشافه، وبالرغم من عيوبه الكثيرة آنذاك والتي تتلخص في أنه يعطي ضوءاً غير ثابت ويحدث صوتاً مسموعاً عند تشغيله، كما لا يمكن التحكم في قوته ويحتاج إلى عناية كبيرة، بالرغم من هذا إلا أنه ساهم مساهمة جدية في المسرح.
وفي عام 1879م الذي كتب فيه هنريك إبسن مسرحية "بيت الدمية" اخترع توماس إديسون المصباح Thomas Edison المتوهج. وكانت المسارح من أول من عرف هذا المنبع الضوئي الجديد. وكانت "أوبرا باريس" أول من استخدم النظام الجديد في الإضاءة على المسرح عام 1880م. وسرعان ما عرف المصباح المتوهج طريقه إلى كافة مسارح العالم. وبانتهاء القرن التاسع عشر الميلادي ظل استعماله سائدا ولم يتوصل أحد إلى معرفة المصباح الكشاف ذي الإضاءة القوية المركزة حتى إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى.
ومع أن البحوث البدائية في الإضاءة المسرحية حتى القرن العشرين الميلادي كانت لإيجاد إضاءة أفضل، والمحاولات المستمرة لاكتساب ميزات أخرى جديدة، فقد أجرى سيرليو وساباتيني التجارب على المؤثرات الضوئية.
وكان السير هنري إيرفنج من أوائل الذين استغلوا قدرات الإضاءة المسرحية الجديدة في عرض مسرحياته فأثارت الاهتمام. كذلك اكتشف بلاسكو الكشاف الصغير ذا المصباح المتوهج بدلاً من الجهاز الكربوني، وقد سمي هذا الكشاف "الصغير". والإضاءة بالنسبة للمسرحية كالموسيقي بالنسبة للأغنية. وقد كتب بلاسكو قائلاً: "لا يوجد أي عامل آخر يدخل في المسرحية له مثل هذا التأثير في الأمزجة والأحاسيس".
وبالرغم من جهود بلاسكو البارزة فإنها توارت في فن الإضاءة المسرحية بفضل أدولف آبيا. الذي كتب في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي آراء في الإضاءة المسرحية كانت سابقة لأوانها بنصف قرن على الأقل. فقد كان أول من اعترض على الإضاءة المسطحة المتعادلة الناتجة عن استخدام الإضاءة الأرضية وإضاءة البراقع الساترة. وقد أطلق آبيا على هذه الإضاءة غير المركزة، الإضاءة العامة.
إن أي محاولة لوضع خطة ثابتة لإضاءة مسرح اليوم تكون مجازفة وصعبة لأن هذا الفن ما زال في بدايته. هذا بالإضافة إلى أنه ليس هناك مسرحيتان اثنتان متشابهتين تمام التشابه، كما أن المسارح نفسها تختلف في بنائها الهندسي مما يجعل اختلاف الإضاءة أمراً حتمياً.